المدن الرقمية… حلول حضرية للمستقبل

الأستاذ الدكتور أحمد يوسف الزعبي

الجامعة الأمريكية – مادبا

مستشار معماري وخبير في التصميم والتخطيط الحضري

تشير عدد من الدراسات إلى أن عدد سكان العالم العربي سيصل إلى 500 مليون نسمة بحلول عام 2050، بعد أن وصل عدد السكان إلى 340 مليون نسمة عام 2013، وبمعدل نمو سكاني يساوي 2.4%، وستبلغ نسبة من يعيشون في المناطق الحضرية من السكان 66%، حسب البيانات الصادرة عن إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التحول الديموغرافي إلى مواجهة المدن العربية لعدد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الخاصة بالتحضر لتلبية الطلب على البنية التحتية والخدمات والموارد، بما في ذلك المياه والطاقة.

وتُعد التكنولوجيا الرقمية، حسب رأي الخبراء، من بين أكثر الوسائل الواعدة للمساعدة على مواجهة هذه التحديات المتعددة، حيث يمكن للأدوات الرقمية الصحيحة تحسين جودة الحياة في المدن من خلال تمكين الحكومات من تقديم الخدمات بشكل أكثر كفاءة، ويقترح الخبراء تطبيق الرقمنة بشكل مباشر في التخطيط الحضري، وذلك بهدف إنشاء مدن رقمية أو منظومات ذكية ذات قدرة أكبر على مواجهة تحديات النمو والتوسع، من خلال تصميم مدن رقمية في إطار بنية تحتية متكاملة، مما يجعلها أقدر على تقديم الخدمات المتكاملة ذات القيمة المضافة مثل، الصحة الإلكترونية والحكومة الإلكترونية والنقل الإلكتروني.

وقد استخدم مصطلح المدينة الرقمية لأول مرة في المؤتمر الأوروبي للمدينة الرقمية الذي عقد في مدينة برشلونه عام 1994، كما بدأ مشروع المدينة الرقمية الأوروبية في عام 1996 بعدد من المدن الأوروبية ثم تبنت السلطات الأوروبية بشكل أساسي مدينة أمستردام كمدينة رقمية تلتها مدينة هلسنكي، والمدن الرقمية من منظور علمي هي التي بنيت لغرض صناعي أو تجاري أو علمي، بحيث تراعي توفير البيئة الاقتصادية الميسرة لحياة السكان وتكون خالية من التلوث والعوادم والضجيج الصناعي، وتقوم في قاعدتها الأساسية على التقنية وشبكات الترابط الإلكترونية.

وتأخذ المدن الرقمية مسميات عدة أبرزها مدن المعرفة، والمدن الذكية، والمدن الإلكترونية أو الذكية، وهي تعتمد في هيكلها الأساسي هدف الوصول لبيئة مثلى من الموارد، وتعتبر المدن الرقمية صديقة البيئة، وهذا السبب الأساسي في إنشائها، إذ أن خبراء البيئة يبحثون بشكل مستمر لإيجاد آلية تناغمية بين مواكبة الطفرة الاقتصادية والحفاظ على الموارد الطبيعية التي تشكل تنمية مستدامة.

وهناك عدد من المشاريع الواعدة في مجال المدن الرقمية في العالم العالم العربي من الإمارات العربية إلى المغرب ومن أهمها، مدينة (مصدر) ومشروع دبي المدينة الذكية الذي إكتسب زخماً كبيراً بعد فوز المدينة باستضافة معرض إكسبو 2020 الدولي، بالإضافة إلى ست مدن اقتصادية في السعودية، وثلاث مدن ذكية في قطر هي لوسيل واللؤلؤة قطر ومدينة الطاقة، ومشروع منطقة بيروت الرقمية وهي أول مدينة رقمية في لبنان، وهناك مشاريع مدن عربية أخرى في مرحلة الدراسات.

وسيؤدي وجود هذه المدن الرقمية في العالم العربي إلى تحفيز التنمية الاقتصادية من خلال زيادة حجم الاقتصاد واستحداث فرص العمل في قطاعات تكنولوجية واعدة، وتحسين نوعية الحياة من خلال حيث تحسين حياة المواطنين بالعديد من الطرق، عبر توفير الأرضيات المناسبة لهم للوصول الصحيح إلى مجموعة من الخدمات والإستدامة البيئية، حيث تطبق المدن الرقمية التكنولوجيا للحد من هدر الموارد مثل المياه والطاقة.

ويبقى القول أن المدن الرقمية في العالم المتقدم قدمت بديلاً كاملاً لاقتصاد عالمي أكثر فعالية وإنسانية وإنتاجية، وقائم على تكامل هندسة العمارة والتصميم الحضري من جهة مع التكنولوجيا ومتطلبات الحياة العصرية القائمة على البساطة والرفاهية من جهة أخرى، وقد تطورت المدن الرقمية حتى أصبحت مفهوماً شاملاً ومترابطاً ومتشعباً، بل أصبحت مدرسة حضرية جديدة قائمة بحد ذاتها وتعنى بإستخدام التكنولوجيا بشكل مركزي متطور في المدن.

ويتعين على الحكومات العربية، من أجل جعل المدن الرقمية إحدى الحلول الحضرية للمدن في العالم العربي، وضع رؤية وإستراتيجية وسياسات واضحة للمدن الرقمية من خلال معالجة الأوجه الأساسية للتخطيط الحضري مع الشركاء الرئيسيين مثل المطورين العقاريين ومقدمي التكنولوجيا من جهة، وإختيار خدمات محددة لتوفيرها وتصنيفها تبعاً لأولويتها في المدن، وتقييم البنى التحتية للمدن بعناية، وتحديد مسار يسمح لها بالإرتقاء صعوداً بالنسبة إ

18-آذار-2018 00:00 ص

نبذة عن الكاتب